قرأت لـي.. أقدم لـك

20.9.08









الفن والتصوف عند أفلوطين

أولًا. حياته
ولد حوالي عام 204/ 205م بمدينة ليقوبوليس في أواسط مصر، وقد عنى والديه بتنشئته وتثقيفه فذهب إلى المدرسة في عامه الثامن لتلقي العلوم الأولية. وحينما بلغ الثامنة والعشرين شعر برغبة شديدة في دراسة الفلسفة على يد مدرسي الإسكندرية من ذوي الشهرة الواسعة آنذاك، فذهب إليها وبعد فترة من البحث عن أستاذ يروي ظمأه إلى العلم، أرشده أحد أصدقائه إلى "أمونيوس" وما أن إستمع إليه حتى أعجب به وظل يلازمه ويدرس عليه حتى بلغ التاسعة والثلاثين من عمره أي حوالي إحدى عشرة سنة كاملة.
وقد أحس أفلوطين آنذاك بالحاجة إلى الاطلاع على مباديء الفلسفة الفارسية والهندية فانضم إلى حملة الامبراطور "جورديان" التي كان يستعد لشنها على فارس. لكن الحملة لم تكتمل حيث قتل الامبراطور في إحدى المدن العراقية، فهرب أفلوطين بصعوبة إلى "أنطاكية" ومنها إلى روما حينما تولى الإمبراطور "فيليب" وكان فيلسوفنا قد بلغ آنذاك الأربعين.
ثانيًَا.كتاباته
كان أفلوطين مشغولًا بمشكلات فلسفية فكرية تنم عن شخصيته حيث كتب عن: الجمال، وعن خلود النفس، وجوهر النفس، وصور الوجود، وهبوط النفس إلى الجسم، والواحد، وهل كل النفوس واحدة، وأصل ونظام الموجودات، وأرواحنا الحارسة، والأقانيم الثلاثة Hypostases، والفضائل، والأعداد، والإرادة الحرة، والعالم، وأنواع الوجود، والعناية الإلهية، والسعادة، وطبيعة الشر، وعن النجوم، والحب،.... إلخ.

ثالثًا. فلسفته
رغم تنوع جهات النظر إليها، وورغم تنوع عزف صاحبها على أوتار عديدة، إلا أنها فلسفة البحث عن الوحدة. البحث عن الوحدة خلف الكثرة الظاهرة، والبحث عن كيفية صدور الوحدة عن الكثرة.. ولذلك كان حديث المؤرخين عن فلسفته حديثًا يميزون فيه دائمًا بين طريقين: 1. طريق صوفي صاعد تصعد فيه النفس من الكثرة المتمثلة في ظواهر العالم المحسوس إلى الوحدة المتمثلة في الواحد أو المطلق. 2. طريق فلسفي هابط تهبط فيه من الوحدة إلى الكثرة، من وحدة المطلق إلى العقل الكلي إلى النفس الكلية ثم إلى كثرة ظواهر العالم المحسوس مرة أخرى.

1. استطيقاه
على الرغم من سيادة النزعة الحسية والمادية في العصر اليوناني الروماني، إلا أنها لم تحل دون سريان تيار روحاني يستلهم الأسرار الدينية والنزعات الصوفية التي استمدت من فلسفات وأديان الشرق القديم، الأمر الذي ظهر بوضوح عند أفلوطين ومعاصريه أمثال "ديون كريسوستوم" الذي رأى أن أنسب الصور لتمثيل الآلهة هى "الصورة الإنسانية". واستمر النقاش حول الآلهة في الفن هل يجوز في صورة حيوانية أم في صورة البشر.. وقد كان هذا الجدل مسار بحث هام في "علم الجمال" عند كاتب معاصر لأفلوطين وهو "فيلو ستراتوس 170: 245" الذي كتب مؤلفا عن حياة أبوللونيوس أعاد فيه النظر في فكرة المحاكاة التى كانت عماد نظرية الفن عند سابقيه ، بل وعنى بنظرية أخرى في تفسير الفن تعتمد على "الخيال الخلاق" فذهب للقول بأن: المحكاة تلتزم بما يقع تحت الحس في حين أن الخيال يتجاوز الحس... فالخيال يحلق إلى آفاق أرحب من الواقع.

2. الجمال
عرف أفلوطين الجمال بأنه "موضوع محبة النفس"؛ لأنه من طبيعتها وهو ينتمي إلى عالم الحقائق العقلية، فهو بطبيعته أقرب إلى النفس منه إلى طبيعة المادة، ولذلك فهى ترتاح له وتحبه في حين يكون القبيح أقرب إلى طبيعة المادة.. لذلك يرى أن كل ما تشكل بحسب فكرة معقولة صار أجمل، فالجميل هو المصور، والقبيح هو ما يخلو من الصور المعقولة. لكن ما برهان ذلك؟؟
يتمثل البرهان في أننا لو قارنا -مثلًا- بين حجرين أحدهما قد نحت على صورة ما كأن تكون إنسان، وترك الأخرى بغير تشكيل أو صورة معقولة فإننا نلاحظ أن الأول سوف يتفوق على الآخر في القيمة الجمالية. فالجمال يصدر عن الصورة أو "المثال" الذي ينتقل من المبدأ الخالق إلى مخلوقه، كما ينتقل جمال الفن من الفنان إلى عمله الفني. وعلى الفنان إذا أراد بلوغ الكمال في عمله ألا ينتقل عن الطبيعة بل أن يستمد من عالم المعقولات "الصورة الكاملة" التي تشكل بها الطبيعة، فيقول: إن فيدياس المثال لم يصور الإله زيوس بحسب ما قد أبصر، بل كما لو أراد الإله نفسه أن يكون عليه لو أنه بدا للناس.
والسؤال الآن: أليس هناك جمال في الطبيعة؟
الجمال إن وجد في الطبيعة أو وجد في الفن فإنما مصدره دائمًا "الصورة" التي تنتسب إلى العالم العقلي لأن الطبيعة "تحاكي" النماذج العقلية أو المثل على حد قول أفلاطون. والوسيلة التي يبلغ بها الإنسان الكمال فى عمله "التطهر"، فلابد وأن يطهر نفسه حتى تكتشف المثل العقلية المتواجة بباطنه، والتي تصله بالعالم الإلهي الخالد. وليست هنالك وسيلة لدى أفلوطين للتطهر، فالنفس تطهر نفسها من الارتباط بالانفعالات والمحسوسات لتتأمل النور الباطني لتسمو للعقل الكلي، في حين أن التطهير لدى "أرسطو" يكون عن طريق "التراجيديا".
1. التدرج الجمالي
إن الجمال يوجد في "الفن" أكثر مما يوجد في الفنان، ويوجد في الفنان أكثر مما يوجد في أعماله الفنية؛ لأنه يكون دائمًا في "العلة الأعظم" مما هو في المعلول، ولذلك كانت الألهة أعظم وأجل فنًا لأن العقل فيها أعظم مما هو فينا... فالجمال لا ينتقل بأكمله بل بجزء منه فقط؛ لأن الأصل يتضاءل كلما هبط على نحو ما نصف شعاع النور كلما بعد عن مصدره، فكل علة تكون في ذاتها أقوى من معلولها.
وتنتهي نظرية أفلوطين إلى نوع من "الطهارة الروحية" التي ترتفع بالنفس من العالم الحسي إلى عالم الحقائق الروحية الذي يعلو على الحس، والذي يلهم من يصل إلى تأمله بالشوق الدائم إليه والعزوف عن العالم الحسي، فيوحد بين الجمال والخير الأقصى أو الحقيقة القصوى.
2. نظرية التناسب الجمالي
على أساس هذه الاستطيقا الصوفية تم تفسير جمال المحسوسات ما كان منه في متناول البصر أو السمع بأنه لا يرجع إلى تناسب أجزائها، كما يقول معاصريه أمثال الرواقيين وشيشرون القائلون بأن: الأشياء المركبة المتناسبة أجزائها من رأس وقدم وذراع تكون جميلة. إذ لو كان التناسب هو سبب الجمال فإنه يقتصر على "الأشياء المركبة" وينعدم من الأشياء البسيط، وإن جاز هذا القول فسوف يكون "الكل" هو الجميل وتكون "الأجزاء" قبيحة وهذا يؤدي لتناقض؛ إذ كيف يصح أن يتولد الجمال من إجتماع أجزاء قبيحة... ومن جهة أخرى فإن التناسب والمقاييس إنما هى أفكار تتعلق "بالكم" ومن ثم لا يجوز أن تطبق على الحقائق الروحانية، كالأفعال والأخلاق والأفكار. ومن ثم –أيضًا- يبغي أفلوطين في النهاية رد الجمال إلى علة أو سبب معقول، وينتهي إلى نظرية أقرب إلى التصوف الذي يوحد بين حقيقة الوجود والخير والجمال، والذي يصور شوق النفس الإنسانية المستمر إلى الاتصال بهذه الحقيقة والتشبه بها.
3. النظرية الرمزية
في حقيقة الأمر إن تصوف أفلوطين وكراهيته للعالم المادي قد انتهى به إلى تشبيه الجمال بالنور الباطني الذي تستضئ به النفس ثم تضيء كل شيء. وقد يُطل النور ويشع الضوء من خلال الصور المشوهة وقد لا يكون التناسب الظاهري المحسوس جميلًا؛ لأن ما يكون في الحس مشوهًا قد يرمز إلى ما وراء الحس من جمال. وإن ملاحظة "سقراط" التي أبداها للمصورين بأن يعنوا بتعبير الوجه والعين عن الخير الباطني، إنما كان لها صداها العميق على فلسفة أفلوطين التي اتسعت لنزعة رمزية في الفن تتلخص في تجاوز المحسوس إلى ما وراءه من مباديء العالم العقلي، بحيث إن كل ما يخلو من آثار العقل أو العالم الروحاني لا يكون موجودًا ولا جميلًا لأن الوجود كله إنما يدين بوجوده دائمًا لقوانين عالم العقل.
4. التوحيد بين الجمال والوجود والخير
بناءًا على رمزيته الميتافيزقية ينتفي القبح من العالم المحسوس الظاهري، فلا يوجد شيء قبيح تمامًا؛ لأن الموجودات كلها إنما توجد بفضل مشاركتها في الحقيقة العقلية التي يتحد فيها الوجود بالخير والجمال "كل شيء جميل بقدر ما فيه من وجود"، فكل شيء به درجة من درجات الجمال. ولما كان الوجود الحق هو الخير وهو أيضًا غاية كل الكائنات فإنه يكون أيضًا محور عشق الكائنات.

3. الحب
إن أمكن لأحد أن يرى هذا الوجود الإلهي فأي حب سوف يغمره وأي رغبة سوف تتملكه، إننا نتطلع إليه بدون أن نراه، فإذا عايناه فسوف ننبهر بجماله وسوف يمتليء الرائي بالعجب والبهجة بل سوف يتملكه الذهول ويمتليء حبًا حقيقًا ويسخر من كل لأنواع الحب الأخرى، وينأى عن كل ما كان يظنه فيما مضى جميلًا وسوف يكون حاله حال أؤلئك الذين سبق لهم رؤية الصور الروحانية والإلهية فأصبحوا لا يأبهون بأي جمال من جمال الأجسام فكيف إذن إن رأينا الجمال في "ذاته"، الجمال الخالص النقي غير المدنس بالمادة والجسد، وهو الجمال الذي لا يسكن الأرض ولا السماء بل يوجد حيث يكون "النقاء". إنه الجمال المكتفي بذاته الذي يفيض على محبيه جمالًا ويملاءهم بالحب، وتلك هيى الغاية القصوى التي تسعى إليها النفوس، وهى الرغبة التى تستحوذ على كل وجودنا حتى نبلغ هذا التأمل الذي يغمرنا بالسعادة.
وبهذا الوصف الذي وصف به أفلوطين شوق النفس وتطلعها إلى جمال العالم الروحاني يكون جعل من تجربة التأمل الصوفي غاية التجربة الجمالية؛ لأن الاستجابة الجمالية للفن ليست غاية في حد ذاتها بل تستمد قيمتها من كونها دالة على الحقيقة العقلية الروحانية شأنها شأن الاستجابة لجمال الكون والزطبيعة باعتبارهما من آثار المبدأ الإلهي المقدس والعلة الأولى التي تلهم نفوس الصوفية بالشوق الدائم والتطلع إلى معاينة هذا المبدأ والاقتراب منه.
وجدير بالذكر أن هذه النزعة الصوفية الرمزية كان لها أثرًا عظيمًا على الإسلام حيث التصوير الإسلامي الذي بعد عن التصوير الطبيعي تصويرًا حرفيًا واتجاهه إلى التجريد، وهذا يتراءى في فن الزخرفة والمنحنيات وطباعة المنسوجات، وكذلك في فن الخط العربي. وقد تحدث فلاسفة الإسلام والصوفية عن "المخيلة" التي يمكن أن تعد من القوى الباطنة والتي يمكن أن تكون في خدمة العقل لأنها توجه السلوك والقوى النزوعية، وكذلك يتجلى فيها إبداع الفنان.

ملحوظة هامة:
هذه المقالة مجرد ملخص للفصل الرابع من كتاب "فلسفة الجمال أعلامها ومذاهبها" لفيلسوفة الحب والجمال أ.د. أميرة حلمي مطر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، طـ2002. قمت به أثناء دراستي للفلسفة وبحثي السديم في أفلوطين.

شيء من الأدب3

17.9.08



مرثيـة حبيبـة

كان يوم نديًا مصحوب برياح باردة عطرة، لا أعرف لماذا رأيتها أمامي وتنسمت أريجها العطر. بدت صورتها في أول وهلة شاحبة .. بعيدة.. تترقب. ثم دنت مني شيئًا فشيئًا ترقبني في حزن. أردت لمسها كي تدنو مني أكثر فأكثر.. فابتسمت وابتعدت بعيدًا بعيدًا.
أمهلني ساع مكتبي فترة إنتهاء فنجان قهوتي كي يقوم بعمله قبل الإنصراف، ترنحت قليلًا بين الكتب فوقع في يدي كتابها الآثير وبداخله عطيتها لي في رونقها وكأنها أعطتها إلي البارحة. وصوتها يتخللني مناديني: أنت الأجمل، لكني رغبت في اعطائك شيء جميل مثلك، قد لا يزيدك لكنه يشعرني بالتألق .. بالتألق. يـا أستاذة إنتِ بخير... يــا أستاذة!
آه.. أكيد، شكرًا لك .آراك غدًا.. السلام عليكم.
سارعت عربات المترو بعضها البعض، وفتحت الأبواب وأغلقت، وداعبني طفل وديع كي أحمله ليمسك بالنافذة وكان ما أراد.. يضع يدًا على النافذة وأخرى على وجهي... ويرطم كلاهما في قهقة مرحة.. جاءت محطتي فأخذ الطفل في البكاء.
مكثت ألاطفه بقطع الحلوى، أفتح أغلفتها وأقضم منها قليلًا فيفعل مثلي متبسمًا. يلقي الفارغ على الأرض أو من النافذة، ألفت وجهه إلي ببسمة حانية وأضع الأغلفة في حقيبتي وفي جيبي، فيضعها في حقيبة والدته وجيبه برقة وثقة، وينظر لي مطرقًا بيده على ساقي.. مدندنًا.
تركته مشغولًا في تفريغ الحلوى.. وخرجت من العربة، فأغلق الباب على ندائه لي "ماما".
رأيتها على درجات السلم الكهربائي تشير إلي في رقة ومرح.. وتسبقني.. هرعت إليها في إزدحام الأجسام وصعدت وراؤها.. ولم أجدها. أشارت علي لافتة سوداء "بالخروج".
الشمس كانت حارقة ولحفني هواؤها السخين، رفعت حقيبتي صوبها علني أستظل دون جدوى.
أخذت في السير العسير تجاه بيتي، وأثناء عبور الطريق مرت حافلة أمامي.. أطرقت بصري لها فرأيتها تلوح لي بالسلام.. ناديت يا حبيبة، واستمرت في السلام والابتسام، أومأت رأسي وألحت لها السلام.
دقت الثانية عشرة بعد منتصف الليل، دخلت مكتبي أضأت الأنوار المزعجة لتعلن عن وجودي في الداخل. احتضنتني الأريكة.. وبادرتني فكرة كتابة ما رأيت، وبعدما شرعت في الكتابة أخذت أنفاسي في التلاشي، وأجفاني في التثاقل، وشعرت بابتزاز قلمي لنزفي. وتجمدت يداي.

رشا ماهر البدري

شيء من الأدب2




كيـــــس ملــح


بلوري الشكل، أبيض اللون، في كيس متوسط الحجم مدون عليه بياناته ومدى جودته وعمره الزمني... وضع أعلى المنضدة وبجواره تلفاز صغير داخل المطبخ.
كيس ملح لأسرة تتكون من خمسة أفراد، أم وأب وفتى وفتاتين... تستيقظ الأم تتوضأ وتصلي ثم توقظ الأب فالأبناء... تبدأ في إعداد طعام الفطور، وتأخذ حفنة من الملح، يقبل الأب على الطعام ويُزد من الملح أمامه ويفتح التلفاز، يتمتم بكلمات غير مفهومة على الأحداث التي يسمعها ويشاهدها من خلال النافذة الصغيرة، تبدأ الأم في حديثه فيزيد من صوت التلفاز... تصمت الأم.
يبدأ الأبناء على التوالي في تناول الطعام، منهم من يزد الملح ومنهم من لا يزد، يطلقون دعابات طفيفة مع والدتهم، ثم ينصرفون بعد أبيهم.

تبدأ الأم في أعمالها اليومية حتى يأتي إعداد "الغداء" فتأخذ حفنة لتضعها في ماء اللحم لتصنع "شربة" تدخل في مكونات باقي الطعام.. وتأتي بالباذنجان فتضعه في الزيت، ثم تضعه في طبق وتزده بمزيج من الملح والليمون والثوم والفلفل والخل "دقة"، وتضعه على المنضدة بجوار كيس الملح والتلفاز. تذهب لأداء صلواتها.

يأتي موعد تناول الغداء، فتمكث الأسرة لتناول وجبتها المملحة، ومازال كيس الملح على المنضدة، يتناول البعض حفنة منه ليضعه على اللحم، والبعض يكتف بالباذنجان!
تنتهي الوليمة، ويتم افراغ المائدة من كل محتوياتها ما عدا كيس الملح. وكذلك في اعداد العشاء وتناوله... إلى أن جاء يوم استيقظت الأم وأخذت في البكاء المستمر فتساءل أفراد عائلتها عن سر البكاء اللامنقطع، وبعد صمت حزين وبكاء طويل، صرحت الأم بأن: "كيس الملح قد نفد".


رشا ماهر البدري

شيء من الأدب



ازدهـــار موجـــــة

تُسيرها الرياح فتَزِيد من سرعتها... تتمدد في هَروَلةٍ مهولة...ثم تصطدم بالصخر القابع في الوسط ...تنجزر وتنحسر للوراء... فتأتي الرياح مرة أخرى لتفعل فعلتها...والصخر مازال قابعًا في الوسط ...
وفي طيات هذا الصخب المدوي... في شدة الألم، تترعرع "مَوجَة" لازمة حاسمة، تدفع من الوراء؛ لتزيد من القوة، لزحزحة الصخر أو اختراقه، كي تستمر للأمام...
لكن تخذِلُها قواها الدافعة...فتتأنَّى وتَنتَبِه...تتأمل وتفكر؛ لتحاول رفع الغموض والالتباس..
فيتراءى لها الحُلم من الواقع...تشحذ قواها، فتجمع اللآلئ والزَّبَرجد والزُّمُرد والياقوت... تنصَرِم نحو ذلك الصخر المسجور، ترتطم فتخترق، تاركة سبيلاً لبصيص من النور... تَعبُر فرِحَة، متألمة لوعورة الارتطام، وكثرة الجهد والفقدان...لكن حينما تنظر خلفها، تعي أنها أضحت في حالة ازدهار... فترتسم ضحكةٌ فرحة، متفائلة بأن هذا المكان وذاك الزمان لن يضنوا بمن يرفعون الالتباس، يفكرون بحزم ويعملون بعزم، ولا ينفكّون حتى ينالون ما يقصدون..

9.7.08


خرق الأنا

الإنسان مخلوق يصنع سجنا و يسميه نظاما ، يصنع إعتدائا ويسميه حرية ، يصنع الكره و يسميه الحب ، يصنع النفاق و يسميه المجد ، يصنع السلاح ويسميه السلام .
هذا هو ما يصنعه الإنسان العام ، أي لا تستطيع أن تمسك بفرد معين و تقول أنه يفعل ذلك ، لكن الإنسان الفرد المسمي بإسم فلان وفلان تجد أفعاله مثل ذلك لكن في أحوال أخري تشمل فقط حياته النفسيه و الإجتماعية وإن كانت السياسية . السؤال هنا لماذا الإنسان لايجيد تسمية أفعاله، هل لقصر نظره و عدم فهمه لهذه الأفعال فهما حقيقيا أم أنه يقصد بالفعل إعطاء اسماء لهذه الأفعال علي غير حقيقتها .
لنأخذ الحالة الاولي و هي قصر نظرالإنسان و هذه الحالة طبيعية أكثر من كونها إصطناعا و هي إنفصال الفعل عن إدراك الفعل مما يولد نوعا من الجهل بطبيعة هذا الفعل وليس ذلك فقط بل يولد ايضا نوعا من غياب الفصل الحقيقي بين الافعال عند الآخرين مما يرسم صورة علي المكان تعتريها الفوضي .......
اما الحالة الثانية وهي تعمد الإنسان تبديل المسميات وهذا ما يحدث علي اغلب الأحوال ، هنا سؤال يتبادر إلي ذهني لماذا الإنسان كذاب ؟ حتى أن في معظم الوقت الإعتراف بالعيوب – بالطبع هي بعض الدوافع النفسية التي لا يستطيع التخلي عنها و تجعله يفعل افعالا لايقبلها الحشد الإجتماعي – من أجل خداع الآخرين ، الإنسان يكذب دائما من أجل ذاته في علاقته مع الحشد الاجتماعي أي حتى لايكون منبوذ إجتماعيا ، او يعاقب كما يعاقب غيره علي نفس الافعال فيحاول ان يجمل افعاله ويضغط على ذاته ، إذا الإنسان يعيش و صورة الأخرين المعاقبون امام عينيه دائما لا يفعل إلا مايراه محمودا إجتماعيا .........
هل بذلك الإنسان قد عرف نفسه بالفعل، عندما يزور كل شيء و لا يطيق العيش بدون المدح الإجتماعي المزور أيضا و يرسم لشخصه نظاما ( سجنا ) و يسميه ذاته و مبادئه و قوانينه الشخصيه يغش هذا النظام من المجتمع فيصبح مسخا من آخرين كثر .
أرى ان هذا النظام لا يطيق ايضا ان يلتزم به بمفرده و إنما يحاول إجبار الإخرين على إتباعه تحت مسمي المجتمع و العرف فيتدخل في شئون الآخرين كما يتدخل الآخرون بدورهم في شئوونه، وتدخله إما بالإعتداء علي الخصوصيات او التتفيه منها و كل هذا تحت مسمي نشر الحريات و الخوف من ان هذه الخصوصيات تؤثر على الحرية التي يراها سلبا فيتدخل فيها محاولا تعديلها وفقا له او محوها من الأساس .
وعلى هذا الأساس في سن القوانين و علي أثر ذلك التدخل في الآخرين كالفيروس حتي لا يخلوا بحريات غيرهم ، بذلك يصنع كسرا للعلاقات الإنسانية الصادقة فيرى الحب و الصداقة و العلاقات الاسرية مجرد اكاذيب مصطنعه تنم عن الخوف الاجتماعي .
وبذلك ينصب هذا الإنسان نفسه وصيا علي الآخرين يقومهم يلتمس نقاط ضعفهم ويدخل إليهم منها ، يدخل إليهم من الجوانب التي يشكون فيها و يزدهم شكا فوق شكهم ، فيصبح الآخرين بالنسبة له ككتاب مفتوح يقرؤه كما يشاء و يعبث به كما يشاء ومن هنا يصنع مجدا على العقول التي لا يزيد عنها في شيء بل الشيء الوحيد الذي فعله هو أنه كما انه مثله مثل غيره نموذج لضغط الحشد الإجتماعي إلا أنه تجاوز ذلك برؤيه عكسيه بالتحايل على هذا الحشد الإجتماعي و قراءة ما يفعله جيدا فيتفنن في إبداع ذاته كحشد إجتماعي يواجه به أفراد الحشد الإجتماعي .
ويحتفظ بجميع أساليب التعذيب النفسي كسلاح للدفاع عن نفسه و إكتساب أمنا و سلاما .
نري هل الإنسان يختلف عن كونه إنسان يضع و يغير و يعتدي و يتفه عن الفرد المسمى الذي يوجد بيننا ايضا يضع و يغير و يعتدي و يتفه . إذا كنت فرد تريد أن تجد هذا الفرد الذي يفعل ذلك فستجده أنت بالفعل و بدون مغالطة للذات ....

في عناصر الموقف الفلسفي

8.7.08


" فى عناصر الموقف الفلسفى "


بقلم :أحمد حمدى



الموقف الفلسفي يتخطى حدود الزمان والمكان و الحدث , فلا تقدم الفلسفة إجابات أو حلولًا و إنما محاولات جادة ومستميته من اجل الوصول لحلول , او لافكار تساعدنا فى تمثل الحلول , فينبغي أن نتذكر دائما ونعرف كيف نعود للموقف الفلسفي الأصيل ؟ وكيف نخرج منه بشيء يفيدنا في حل مشكلاتنا الملحة ؟
وتتحدد عناصر الموقف الفلسفي في الآتي:
1- ( ما سنسميه الظا) ( كلمة هندية من اليوجا تعنى الوصول للاسترخاء التام من اجل التركيز والتامل وهى تعد الحد الفاصل بين الحياة الطبيعية والحياة التاملية ) ذلك الهدوء , وتلك الوقفة التي ننظر فيها من بعيد , لنقوم بدور المتفرج الواعي . ولذلك نجد الفيلسوف الصادق فى كثير من الاحيان يفضل القيام بدور المتفرج لا المشارك فى صناعة الاحداث ولعل ذلك ما تم استغلاله من قبل السلطة فى تهميش الفيلسوف .
2 - ( الصدمة ) إحساس مفاجئ بالدهشة من كل شيء , حتى لو كان بسيطا أو اعتدنا عليه فيما سبق. ويعبر جوستاين جاردر عن ذلك فى روايته عالم صوفى بان الفيلسوف يتعامل مع العالم وكانه غريب عنه وكأنه أتى من عالم آخر .
3- ( السؤال ) طرح الأسئلة والتأكد من أنها أسئلة فلسفية تسال عن الأصول , الما وراء , الجوهر , تتجاوز الحدث والزمان والمكان . وهذا ما أشارت اليه جهاد باقتدار فى حديثها عن السؤال .
4 -( الرحلة ) رحلة البحث الفلسفي عن إجابات حقيقية وهى رحلة مفارقة , وهى تنطلق من إيمان عميق بالقدرة على الوصول لإجابات حقيقية مطلقة يقينية لتلك الأسئلة الفلسفية التي تقلق نومنا وراحتنا فيقف الفيلسوف صلدا مضحيا بكل ما يملك من اجل الوصول للحكمة و الحقيقة يوما ما .
لكن الفيلسوف يعرف جيدا انه لا وجود لإجابات تمثل حقائق مطلقة يقينية وان رهانه على الوصول لها رهان خاسر من البداية
ان جوهر لعبة الفلسفة هو ذلك الرهان الخاسر على وجود حقيقة لاوجود لها

فالرحلة الفلسفية ينبغي أن تكون للفيلسوف ( من الداخل ) وسيلة للوصول للحقيقة التي لاوجود لها ولكن إذا تأمل رحلته من بعيد ( من الخارج ) سيرى أن الرحلة في حد ذاتها غاية – على حد تعبير باولو كويلهو فى ساحر الصحراء - والنظر للرحلة الفلسفية على أنها وسيلة للوصول للحقيقة مجرد ضمان لاستمرارها فأثناء تلك الرحلة يتطور الإنسان ومن ثم الإنسانية إلى حياة أفضل وتنجز ما لم تكن تحلم يوما ما بإنجازه .
5 - التقاطع (الاستبطان والمعايشة ) مع رحلات الآخرين:
فلما كانت آلية التطور الفكري والروحي للإنسان معتمدة دائما على وجود آخر ( فعل ورد فعل) لذا يحاول الفيلسوف بين حين و آخر أن يتخارج معبرا عن ما وصل إليه من فلسفة بأي أسلوب اللغة الفن ...الخ . أظن أن هذا يجعلنا ندرك أن تاريخ الفلسفة ليس فرعا من التاريخ بقدر ما هو ضرورة ينطوي على أحد أهم عناصر الموقف الفلسفي المتمثل في التقاطع مع الرحلات الفلسفية للآخرين مع إهمال السياق التاريخي , إلا كمحاولة لتمثل ثقافة الفيلسوف المدروس ( الرؤية النقدية ) و كي لا اغفل أحد الآراء الهامة في تجديد الرحلة الفلسفية في عصر ما بعد الحداثة , وهذا الرأي يعتمد كثيرا على موقف نيتشه من تاريخ الفلسفة ويحاول استبطانه, قائلا ربما كان تاريخ الفلسفة مزدحما بالفلاسفة ومعقدا كما أن تاريخ الإنسان ينبئانا إننا نحيا مرحلة فريدة وجديدة على الإنسانية , مما يجعلنا نتحدث عن بداية صفرية للفلسفة نعيد فيها طرح الأسئلة من جديد , و ننقطع فيها عن تراث الفلسفة الماضي ربما يكون هذا أفيد لتطورنا الفلسفي . لكنني أقول أن الحديث عن بداية صفرية غير صحيح , لانه حتى لو توهم إنسان انه يبدأ من الصفر, فان رصيد خبراته الكامنة في لا وعيه يثبت العكس, لذا فان مرحلة التكوين لأي باحث في الفلسفة لابد أن يتقاطع فيها مع تجارب ورحلات فلسفية اخرى , حتى يصل إلى المرحلة التي تتطلب بداية صفرية .



7.7.08


سؤال سؤال ................. ياترى له جواب ؟؟؟

دائما هناك أسئلة و الكثير من الأسئلة تدخل عقلي أو بمعنى أكثر وضوحا تخرج هذه الأسئلة من عقلي هذا الذي يولد بإستمرار أسئلة التي تتسم في غالب ظهورها إما صعبة فيكون تركيب السؤال فيها يبدو غير منطقيا ، أو سهلة جدا يبدو أنه من الغباء طرحها و ذلك لسهولتها المفرطة و التي توهمني في البداية بسهولة حلها ، و لكن في الحالتين أشعر في مشوار البحث عن الأجوبة و كأني أسير في دروب تملئها المتاهات و هذه المتاهات أيضا أتوهم عند أول متاهة إنه أخيرا قد وجدت ضالتي المنشودة ، وبعد ذلك أجد نشوة في كوني قد وجدت الإجابة، ثم أقف لفتره كمن لا يرى شيئا سواء في النور الساطع أو فى الظلام الدامس ثم أخرج من هذه الحالة و هناك شيئا ما يدفعني و بشدة إلي إعادة النظر ليس في السؤال فقط بل ايضا في الإجابة التي كنت قد رضيت عنها في البداية . هذه النظرة كنظرة الذي يحاول فك شفرة رقمية فيقرأها يمينا و يسارا محاولا وضع تفسيرات، لكن في النهاية تظل شفرة وتظل التفسيرات هي الهالة التي تحيط بها .
لكن هذا ليس معناه أنني لا أضع إجابة لأسئلتي هذه ،بل أضع لها إجابة و تظل هذه الأسئلة في ذهني و و كأنها ليس لها إجابة .
أتساءل حول كيفية تولد الأسئلة و كيفية موتها ، تتولد من أب و أم بالطبع لأن هذا سر الحياة بأسرها أن كل شيء حي فيها يتولد من الإختلاف و بالطبع الذكر و الانثي يختلفا تمام الإختلاف ليس فسيولوجيا فقط وإنما من ناحية الذات الآمرة و هويتها ، و بالطبع الإختلاف لا يعني مطلقا الأفضلية ........
نرجع إلى أب و أم السؤال أري الأب هو الواقع و الأم هي سجيتي (عقلي)، الواقع يصنع الخيوط والعقل ينسجها كما ان النسيج المعرفي بالواقع يساهم فيه الواقع و العقل لكن العقل وحده هو الذي يستطيع أن ينسج السؤال وهو الذي يحاول إيجاد إجابه له لذا نري الواقع واحد و العقول متعددة ، وعندما ينسج العقل سؤاله بالطبع هو الذي ينسج إجابته .
نسج العقل للسؤال كأنما يحفر وجودا أو يرى لونا من الوان الوجود ، ولأنه ليس الخالق فيحفر و لا يوجد ينظر للسؤال و لا يحق له القول بأنه إمتلك الإجابة الفعلية له . لذا أشعر عندما أطرح أي سؤال على ذاتي و كأنني ابدع كيانات جديدة لا يراها احد غيري من البشر............
هل تروا معي جمال طرح السؤال ، وغموض مصيره ودروب إجاباته المشوقة المحبطة في نفس الوقت
للسؤال بقية.................................