17.9.08
كان يوم نديًا مصحوب برياح باردة عطرة، لا أعرف لماذا رأيتها أمامي وتنسمت أريجها العطر. بدت صورتها في أول وهلة شاحبة .. بعيدة.. تترقب. ثم دنت مني شيئًا فشيئًا ترقبني في حزن. أردت لمسها كي تدنو مني أكثر فأكثر.. فابتسمت وابتعدت بعيدًا بعيدًا.
أمهلني ساع مكتبي فترة إنتهاء فنجان قهوتي كي يقوم بعمله قبل الإنصراف، ترنحت قليلًا بين الكتب فوقع في يدي كتابها الآثير وبداخله عطيتها لي في رونقها وكأنها أعطتها إلي البارحة. وصوتها يتخللني مناديني: أنت الأجمل، لكني رغبت في اعطائك شيء جميل مثلك، قد لا يزيدك لكنه يشعرني بالتألق .. بالتألق. يـا أستاذة إنتِ بخير... يــا أستاذة!
آه.. أكيد، شكرًا لك .آراك غدًا.. السلام عليكم.
سارعت عربات المترو بعضها البعض، وفتحت الأبواب وأغلقت، وداعبني طفل وديع كي أحمله ليمسك بالنافذة وكان ما أراد.. يضع يدًا على النافذة وأخرى على وجهي... ويرطم كلاهما في قهقة مرحة.. جاءت محطتي فأخذ الطفل في البكاء.
مكثت ألاطفه بقطع الحلوى، أفتح أغلفتها وأقضم منها قليلًا فيفعل مثلي متبسمًا. يلقي الفارغ على الأرض أو من النافذة، ألفت وجهه إلي ببسمة حانية وأضع الأغلفة في حقيبتي وفي جيبي، فيضعها في حقيبة والدته وجيبه برقة وثقة، وينظر لي مطرقًا بيده على ساقي.. مدندنًا.
تركته مشغولًا في تفريغ الحلوى.. وخرجت من العربة، فأغلق الباب على ندائه لي "ماما".
رأيتها على درجات السلم الكهربائي تشير إلي في رقة ومرح.. وتسبقني.. هرعت إليها في إزدحام الأجسام وصعدت وراؤها.. ولم أجدها. أشارت علي لافتة سوداء "بالخروج".
الشمس كانت حارقة ولحفني هواؤها السخين، رفعت حقيبتي صوبها علني أستظل دون جدوى.
أخذت في السير العسير تجاه بيتي، وأثناء عبور الطريق مرت حافلة أمامي.. أطرقت بصري لها فرأيتها تلوح لي بالسلام.. ناديت يا حبيبة، واستمرت في السلام والابتسام، أومأت رأسي وألحت لها السلام.
دقت الثانية عشرة بعد منتصف الليل، دخلت مكتبي أضأت الأنوار المزعجة لتعلن عن وجودي في الداخل. احتضنتني الأريكة.. وبادرتني فكرة كتابة ما رأيت، وبعدما شرعت في الكتابة أخذت أنفاسي في التلاشي، وأجفاني في التثاقل، وشعرت بابتزاز قلمي لنزفي. وتجمدت يداي.
رشا ماهر البدري
0 Comments:
Post a Comment