28.6.08




" كرسى ناقص رجل "


بقلم : أحمد حمدى



هناك من الاحداث ما قد يكون ذا دلالة ومعنى ومغزى عميق فى حياتنا الشخصية و التى تتقاطع بالضرورة مع حياتنا العامة وتصيغها وتشكلها فى ان واحد , كان الحدث هو مهرجان النطاق للفنون وقبل ان اتحدث عن تلك الروح التى تسربت الى من خلال مهرجان النطاق لعام 2000 والتى لم اكن على وعى تام بها اتحدث عن حدث شخصى وهو فشلى فى كلية العلوم .

لم يكن لى فى هذه الدنيا من طموح الا ان اصبح طالب فى كلية العلوم استمتع بمغامرات البحث العلمى الطبيعى وبمتعة الدخول لمعمل وتشريح كائنات ورؤية عوالم . وبالفعل تحقق الحلم واصبحت الطالب رقم 448 -98 كيمياء بيولوجى وكانت اول صدمة لى ان اتحول لمجرد رقم وان يطالبونى بعملية ابعاد تام للذات بكل تصوراتها عن العالم الطبيعى عملية تجريد للذات وطمس لمعالمها الراغبة ليس فى مجرد التعامل الاداتى مع العالم ولكن التعامل الذى يبغى فهم العالم وتمثله و الوقوف على معانيه ومغازيه لم استرح وانا لا ارى مجال بحثى فى مصر يلبى حاجة باحث طموح يتعدى رؤية العلم كاداة تكنولوجية الى رؤية العلم كاداة تساعد الذات فى تمثلها للعالم كانو يقولون اشياء غير مفهومة ويهتمون بالتطبيق وكانى اصبحت ترس فى اله وهى ساكنه لا تتحرك فالبحث العلمى فى مصر يعانى من الموات وكانت صرختى كيصالنى اى العلم ليساعد الذات على تمثل العالم تعلن نفسها كاعتراض واضح على ماذا ؟ على المنهج القديم الموضوعى للعلم ام على تحويل العلم لاداة تكنولوجية لاتحقق ولا تخدم الا عالم الاقتصاد والمادة و المال عالم جاف لا يعنى اكثر من تموضع مادى سخيف .

ولاول مرة اشعر اننى اريد ان اصرخ واعلم ان صرخاتى لن تسمع فانا مجرد طالب بالفرقة الثانية لن يقدم ولن يؤخر اننى 448-98 وفقط فى الوقت الذى كنت ارى فيه اختى فى كلية التربية الفنية لا تجد ما تقوله فى اعمالها الفنية لتعبر عن افكارها الذاتية والشخصية والحرة لقد اقتنعت ان الفن للصراخ وان الصراخ هو الفن اذا كان للصراخ من شكل فكنت ارى اعمال تصرخ باعلى صوت انجدوا الانسان فى هذا العصر.

تمخضت صرختي عملا فنيا من ذلك النوع الذي يتحدى الإطار واللوحة ليعبر بمواد من حياتنا المعيشية عن أفكارنا وآلامنا انه العمل الفني المركب " كرسي ناقص رجل " وقد قدمت العمل لصالون الشباب الثاني عشر وبعد نقل العمل أكثر من مره لتراه لجنه الصالون رفض العمل ودمر تماما في مخزن الصالون وقيل لي رُفض عملكم أي صرختكم رأيت نفسي مهرولا من ميدان الأوبرا عبر كوبري قصر النيل أصيح: "رافضين على رفضكم من ألف حالة موت رافضين وبنقولكم مهما يكون رفضكم رافضين" وذهبت لمعارض أرى فيها الصرخات إنها معارض لا تنتمي لوزارة الثقافة
كان الإعلان عن تقديم أعمال لمهرجان اسمه النطاق تحت رعاية مؤسسات خاصة ترعى الفن وبإشراف اليونسكو قد ظهر على باب الصالون بعد عدة اشهر تقدمت من جديد بنفس العمل فقبل وذهبت انقله وأنا سعيد وحزين في آن واحد إلى مبنى تاون هاوس جاليرى الفن المعاصر الكائن في شارع نوبار وجدت هناك امرأة اسمها ستفانيا ولم أكن من قبل أخذت أي نوع في حياتي من تقدير الذات أو الاعتراف بها ككائن بشرى له قدرة على الإبداع فكل حياتي كانت محض سخافات تشعرني أن البرص ربما يكون له احتراما أكثر منى قابلتني ستفانيا وهى تنظر لي كعبقري استطاع أن يقدم صرخة صادقه تستوقف الانتباه وقالت لي لقد تم اختيار القنصلية الإيطالية لعرض عملك غريبة هي ارض الوطن ترفض دائما الصدق عندما يتجسد عملا وبالفعل نقلت العمل ونصبته في القنصلية الإيطالية ووقفت بجواره اشرحه لأجانب ومصريون يعجبون به ويشكرونني عليه ويحتفون بي كانسان أولا و كفنان يصرخ ثانيا ومن هنا بدأت حياتي في مرحلة جديدة ودخلت كلية الحرية وكرامة الإنسان اقصد الآداب قسم التحرر واقصد الفلسفة وهناك وجدت ذاتي بانتظاري لتعبر بي الآلام لعالم الفرحة حين يتجسد فلسفة.

يهمني أن اذكر انه تم الاعتراف بي كفنان وناقد فني من قبل وزارة الثقافة والصالون ذاته بعد ثلاث أعوام تقريبا
قيل عن مهرجان النطاق الكثير اذكر منه ما ذكرته مجلة فنون مهرجان النطاق يثير الهواجس ويقدم مفاهيم جديدة للفن فباشتراك فنانين أجانب في هذا المهرجان وبفكرته العبقرية التي تنشر الفن في كل ركن من أركان المدينة وتحتفي بالفن الصادم والصارخ والغريب والدخيل كان مولد ثقافي بحق يعزز مفاهيم ما بعد حداثية ولذا كان صادم للمثقف الحداثي التقليدي وظهرت لأول مرة تعددية ثقافية وتواصل إنسانى بين فناني العالم المغتربون والمهمشون فكنا في النادي اليوناني نهلوس بالفن وللفن ومن اجل الفن ولن يستطيع البوليس أن يغلق المعرض لأنه في وجوه الناس في مولد الدنيا في اللا مفهوم الذي لا يهدد أي أحد بأخذ موقعه هنا أصبحت ما بعد حداثي.
ترى ما هذا العمل الذي غير من حياتي؟؟
انه " كرسي ناقص رجل "

ما هذا الذي أمامنا ?
أجيب في لوحة من ورق محروق:

"ببساطة.... من غير تعقيد
ولا باقدر ع التقنية
عملى دوا 100 %
كرسى ناقص رجل
عايشين نشرب ميه طراوه
ولا بنشرب لاجْل نعيش
وآدى كلوب
مفهيوش جاز
ميهمّش
من غيره برده ها عيش واتمتع
واشرب صودا ومِنِرال وُوتَرْ
دا مفيش جازْ .!
"

عناصر العمل:
•الزير
•كرسى ناقص رجل
•الكلوب
•الورقة المعلقة فى الخلفية وعليها الشعر المذكور بالأعلى
•كاب على الكرسى للشعور ببقايا الحضور الإنسانى
ورقة طائرة وضعت بجوار العمل مكتوب عليها:

•هل أعجبك هذا العمل ؟
•إنه لا يعجبنى إنه قبيح أين الاتزان فيه؟
•لابد أن أضع الجاز فى الكلوب وأن أصلحه حتى ينير
•وأن أبيع الإطار الذهبى الذى يزين الزير وأن أتجاهل ذلك الزير قليلاً
•لا لن أفعل ذلك وحدى ستفعله معى
•هل فهمت الرسالة هل فهمت صرختي؟
•نهتم اهتمامًا مبالغًا فيه كأفراد أو مؤسسات أو كأوعية ثقافية على حد سواء ونسخّر كل قدراتنا التكنولوجية والعلمية وحتى الفكرية والفنية وربما الروحية فى خدمة شىء واحد هو الزير.
•احتياجاتنا الأولية شهواتنا الدنيوية كأفراد وكمجتمعات ونقول بكل جراءة هذا ما يبغيه الإنسان من حياته لقد نسينا حقيقة الإنسان واحتياجه الأساسى للنور، للمعرفة، للفن، للكلوب ( المهمَل )، عالم كهذا وإن استمر فلابد يومًا من أنه سيقع فجأة ودون أى مقدمات أو بوادر لأن الإنسان سيفقد ذاته الحقيقية لأن: الكرسى ناقص رجل !!


تحليل العمل: الزير: (العنصر اللافت للنظر)
•الزير عنصر من التراث ورغم ذلك فهو موجود فى مصر بشدة كوسيلة ممتازة لحفظ الماء وفى كل مكان مهما اختلف المستوى الثقافى فالزير موجود فى الزمالك وفى بولاق الدكرور فى كل مكان، مما يشعر الواقف أمام العمل بنوع من الألفة لرؤيته، الزير الذى يعرفه أن لم يكن يشرب من الماء البارد.

الزير يدل دلالة واضحة فى الثقافة المصرية على اللذة بجميع أنواعها نقول على هذا زير نساء أى رجل يغوى النساء , هذا زير أى لا يكفيه أى مال ولا يشبع و هكذا , دارج فى الثقافة المصرية.

تم استخدام عناصر إضافية تدخل مع الزير فى علاقة مفارقة عن وجوده الواقعى، وهو الاهتمام المبالغ فيه بحامل الزير حيث تم طلاؤه بالذهب، وكذلك غطاء الزير مزين بشريط ذهبى، إن الزير بعد هذه الإضافات بدا كعروس محتفى بها، وهذا مقصود، فالزير ببساطة رمز للمادة والمادية والشهوية والاستهلاكية فى حياتنا وهى موجودة فى صورة محتفى بها.

الكرسي:
•كرسى طرزان عادى يميل الى اللون الداكن
•منزوع احد ارجله
•وهو رمز للنظام ككل
•يبحث عن حالة اتزان

الكلوب:
•جهاز يستخدم فى الاضاءة بواسطة الجاز
•يبدو اكثر العناصر مهملة فى العمل
•يرتبط بالنور

الورقة:
•ورقة تميل الى الصفرة محروقة الاطراف معلقة على الحائط كلوحة
•مكتوب عليها كلمات مموسقة، وهى المذكورة عاليه بدايةً من "ببساطة"
هناك ملحوظة هامة وهى ان الصورة الموجودة للعمل ليست دقيقة حيث انه قبل العرض تم اجراء بعض التعديلات على العمل من قبل الفنان فالعمل الذى عرض لا يوجد به اى عناصر كمبيوترية ويحتفظ الزير فيه بشكله الاحمر الطوبى دون اى تعديلات فى الزير كذلك تمت اضافة عنصر الا وهو الورقة المحترقة الاطراف وكتب عليها بعض من الشعر العامى.

أحمد حمدي



1 Comment:

كريم الصياد said...

جميل يا أحمد
كنت أتمنى أن تعرض لنا خبرتك في كلية العلوم، وسبب تحولك إلى الفلسفة همًا ودراسةً وبحثًا بشكل أكثر تفصيلًا.