30.6.08
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رُخٌّ من الآجال غادرَ عشَّهُ
والليلُ حبرٌ في دواةٍ أرملَهْ
بلَّ السحبْ
وتقاطرتْ ظلماتهُ
في رعشةٍ بيد الإلهِ إذا كتبْ
ليسوِّد الصفحاتِ ألْفًا في الدهور المقبلهْ
حين انسكبْ
ناديتُ إنسي أن يساير نعشَهُ،
وأمرتُ قلبي أن يصافح قاتلَهْ
فمحابرُ الأقدار تملأُ نقشَهُ،
ومحابر الأقدار تُسكب في الأُلِـمْبْ
إني أكافح في سبيل الناس ربًّا ثمّ ربّْ
والناسُ موتَى في الليالي الفاصلهْ
ومحابر الأقدار تُسكبُ كالنبيذِ،
وتُسكِرُ الأربابَ في قيعان كأسٍ مُوحِلهْ
والخالدون يؤلفون كما أرادوا غيبَهم من بعد غيبْ
فأنا مليكٌ دون شعبْ
وأنا مليكٌ دون شعبْ
هل أسأل الربَّ انتصارًا،
هل سأطعنه ببدء البسملهْ ؟!!
* * *
بين السما والأرضِ أطفو
في حديد السلسلهْ
السحْبُ فوقي حين تمطرُ
تمطر الملحَ الأُجاجْ
شاء الإلهُ ليجعلَهْ
كي يُحرق الجرحَ المعربدَ في الكبدْ
لو كان للجرح الدوا
ألمُ القيودِ بلا علاجْ
الروحُ يأسرها الجسدْ
وإرادتي محبوسةٌ من خلف أضلاع الرتاجْ
لو أنني حرّكتُ جسمي سوف تسمع صلصلهْ
لمَ ذي القيود وكلُّ جسمي ينعقدْ
وعلائم الأظفار في أعضائه متواصلَهْ؟
الرِّجْلُ حبلٌ شدّني في خطوتينِ على السطوح المائلَهْ
والأرض كانت تحت رجليّ الوتدْ
لا فرق بين سلاسل الظهر التي انتشبتْ بجسمي
في اختلاقات الجنينِ
وبين قيدي
في اختلاقات البطولةِ
غير أني خالقٌ
أثناءَ هذي المرحلَهْ
رحم الرياح يضمني
مُتخلِّقًا حول السلاسل في يديّا
مُتكلمًا في مهد تأليهي صبيّا
فسلامُ كلِّ العائلَهْ
فسلامُ كلِّ العائلَهْ
في يومِ أُولدُ،
يومَ أحيا
ثم أحيا
دونَ موتٍ
ثم أحيا .!
* * *
يا ربَّ أرباب السما
إني يمزّقني التماسكُ في عصور الزلزلهْ
البحرُ يلفظ شطَّهُ،
والأفْقُ يلقي شمسَهُ،
والأرضُ قاءتْ ميتًا في الحيّ يسري في الدِّما
ويعود يُبعثُ حين يسكن آكلَهْ
لا شيءَ يأتي من عدمْ
لا شيءَ يذهب في عدمْ
فلمَ العدمْ؟!
في داخلي كلُّ العوادمِِ،
والعوالمِ
كالسواقي في دمائي،
واحتشائي
في فؤادي
يمنحُ القلبَ الظلالَ إذا نما
والقلبُ يمشي في الظلالِ القاتلَهْ
قلبي مريضٌ ليس ينبضُ
غيرَ أن النارَ تسري في ثناياه كجمرٍ
حين يُظلمُ فاحِـما
قلبي مريضٌ
أيُّ رخٍّ من طيور الربِّ يأتيني
لكي
يستأصلَهْ ؟
ففؤاديَ المُسودُّ يُحرقني إذا هبتْ من الرئة الرياحُ مُحمّلاتٍ باجتياحي عالمَا
ورجوعيَ المهزومِ شَهْقًا
حين أغرق في دمائي السائلَهْ
قلبي هو النار التي أعطيتُها لبني البشرْ
قلبي خطيئة سقطتي،
وأنا كصحنٍ
يحمل الأكبادَ للأطيارِ طُعمًا،
قد رماني الربُّ أرضًا من سماه لأنكسرْ
فحملتُ قلبي في اعتزازٍ بالخطايا الفاضلَهْ
قلبي الخطيئة لم يكن ثمرًا تتدلى من شجرْ
قلبي الخطيئة كان جمرًا من سقرْ
فحضنتُهُ،
وحملتُ فقْراتي صليبًا نابتًا في الجسم يحمل حاملَهْ
أوّاهُ كيف سأنتصرْ؟
يا ربَّ أرباب السما
ماذا سأفعل في قتالِكْ؟
إني وحيدٌ في جلودي العازلَهْ
إني طريدٌ من ظلالِكْ
أرحمتَ أولادَ الشوارعِ في الأراضي السافلَهْ؟
وهجرْتَني،
وأنا صغيرٌ من عيالِكْ؟
ماذا سأفعل غير أن أستلَّ سيفي ثم أهوِي في المهالِكْ؟
ماذا سأفعل بالقضايا العادلَهْ؟
ماذا سأدرك من كمالِكْ؟
هل سوف أجلس في زحام الحافلَهْ؟!
هل مِن طريقٍ للسما
إلا بقفْزي من خلالِكْ؟
كما أنا عالمٌ أيضًا
بحالِكْ
يسّرْ لأمري قفزةً تُلغي المسافةَ بين أرضي
والسماءِ المُقبلَهْ
وأنا أكونكَ مرةً
وأنا أكونكَ مرةً
حتى أكفَّ عن افتعالِكْ .!
* * *
أنا سيدُ الشهداءِ أُقتل كلَّ ليْلْ
روحي طموحٌ فادحٌ،
عيني شموسٌ آفلَهْ
الناس ثاروا للمرتّبِ حين قَلّْ
وأنا اشتعال النار يطردني إلهٌ
لا ينجّيني (هِرَقْلْ)
ويُطيح كل الناسِ بي
لو ما رأوني عنصرًا
في طرْف أيِّ معادلَهْ.
* * *
رخٌّ من الآصالِ يأتي،
الأفْقُ عرْضُ جناحِهِ،
والريحُ خَفْقْ
في مطعمِ الكونِ القوائمُ حافلَهْ
كبدٌ متبّلُ بالدماء الطازجاتِ،
وخلطةٌ مثلَ المطاعمِ في البلاد الأجنبيةِ دونَ فرْقْ!
هِمْمْ..ليس طعمٌ مثل طعمِ ضحيةٍ
فوقَ الطِّباقِ مُكبَّلَهْ
أقبلْ عليّ بدون رفْقْ
أنا هيت لكْ
أنا هيت لكْ
فاكبحْ جماحَ مجاعةٍ تتملككْ
لا تنسَ فنَّ الإيتكيتِ،
اغسل يديك قبيل أكلك صيدةً
بمصايد الرب الإلهِ لكَ انتقاها
كَلْ قطعةً
كَلْ قطعةً
بالشوْكِ والسكينِ،
والعقْ عظمتي
لكنْ بذوْقْ
غادرْ بلا دفع الحسابِ
فأنت مدعوٌّ لتأكلَ لحمتي ممن براها
أنا ليس لي أيّ اعتراضٍ
لحميَ المخلوقُ رزْقْ
لكنني..
يومًا ستبلغ كلُّ روحي في صراخي منتهاها
وأنا أصيح بدون حَلْقْ
ولسوْفَ يأتيني (هرقلُ)
تُزلزلُ الأولمبَ خطوةُ رجلِهِ،
يهفو فؤادي لو خَطاها
أهرقلُ أقبِلْ
إنني ما كنتُ يومًا غيرَ ربٍّ واحدٍ
من دونِ جمهورٍ
وخَلْقْ
أنا لستُ أملك كبرياءَ الإنسِ
أو زهوَ النفوس الفانيات إذا تملَّتْ في فَناها
فاصعدْ أُلمبَكَ دونَ فوْقْ
اصعدْ وكسّرْ في السلاسلِ
ردِّني أرضًا لأخلقَ من ثراها
خُضْ نارَ حربكَ بالبطولةِ
لا تخفْ
مزّقْ جلودَكَ وانكشفْ
حطِّمْ قيودي
حطّمِ الأربابَ جَمْعًا
لو صرعتَ زِيُوسَهُمْ
كنْ في سبيلي
في سبيلي كنْ
إلـهَا .!
ــــــــــــ
(*) بروميثْيوس Prometheus = Προμηθεύς أحد آلهة الإغريق، أو هو طيطان Titan على وجه الدقة، قيل أنه خالق البشر في الميثولوجيا الإغريقية، سرق النار من جبل الأولمب وأهداها للفانين-البشر، فعاقبه زيوس بأن سلسلهُ بين جبلين، وسلّط عليه طائر الرخ ليأكل كبده كل يومٍ، ثم ينبت له في اليوم التالي كبدٌ جديد، وهكذا استمر عذابه إلى أن أنقذه هرقل البطل البشري الفاني.(اللوحة للرسام العالمي روبنز Peter Paul Rubens المتوفي في 1640)
كريم الصياد
5-6-2008
5 Comments:
هذه مجرد محاولة لتسجيل انطباعي عن النص أو رحلتي داخل هذا النص
يبدأ النص بالبطل / الإله وهو يصف لنا جواً قاتماً تتقاطر فيه الظلمات
ثم يدعوا قاتله أو معذبه ( الرخ ) بطريقةٍ خاضعة ( لمصافحة قاتله )
بعدها نجده ينقم على البشر الذين لا يقدرون هبته أو عطيته الثمينة
( النار / المعرفة )
ولا يبالون به ولا بآلامه . ثم يبدأ بالشكوى من أمطار الملح التي تكوي كبده التي تتلف لتنمو من جديد
الألم كعرضٍ مستمر لا يتوقف
والسجن ( حبس الروح ) داخل الجسد ،
تعبر عن محاولات الإنسان المستميتة للهروب من محدوديته بمواجهة العالم
من خلال رغباته وأمانيه التي تتكاثر لتصبح دائماً أكبر منه وأبعد منالاً إلى درجة الشعور بالقهر في مواجهتها .
في المقطع التالي يسخر بروميثيوس من العائلة ( الأرباب جميعهم )
يلقى إليهم بالسلام ( يُشهدهم على مأساته ) يوم أحيا .. ثم أحيا ... دون موت
الحياة هنا هي اللعنة والعذاب الأبدي والأرباب هي رمز للسلطة ( كل السلطات )
ينتقل الخطاب إلى زيوس ( رب الأرباب / أعلى قمة في السلطة )
ويتحدث بروميثيوس عن قلبه المريض
ومشاعره المتألمة والمجروحة .... غير أن (النار/ المعرفة) تسري كجمرٍ
المعرفة التي تحرق القلب/ تعيد الحياة للقلب
المعرفة هي الشيء الوحيد المتوهج في قلبٍ متألم
تأتي بعد ذلك مناجاته مع زيوس وشعوره الحاد بالعجز والوحدة والخذلان من الجميع
البشر الذين تجاهلوه والإله الذي يسامح كل الآخرين عداه هو( وأنا صغيرٌ من عيالك )
عودة مرة أخرى إلى العائلة ( آلهة الأولمب)
الحديث بعد ذلك يبدو كأنه استعطافٌ للإله الأكبر ( زيوس / رأس السلطة )
غير أنه يبدو كحوار (مونودراما) مع الذات في اشتعالها المؤلم حين لاتملك أي طريقٍ للبقاء ... للخلود
إلا بمناطحة السماء/ السلطة
يدخل البطل في مقارنة بينه وبين رب الأرباب
نلمحُ فيها افتتانه بالألوهة وإصراره على المحاولة الدائمة والمستمرة
كي يصير في أعلى المنحنى ( المعرفة بوصفها أعلى سلطةٍ مُمكنة )
سيحاول ويصرُّ إلى أن يحدث ذلك فيكفُّ عن افتعاله
بعدها يستمر حوار البطل مع ذاته ورثاؤه لنفسه ونقمته على البشر الذين يُعاقَبُ لأجلهم
ولا يدرون به بينما يتحركون
( يثورون ) لأجل أشياء تافهة
( المرتب حين قلَّ)
( قيمة المعرفة التي تتدني أمام قيمة المادة )
في المقطع الأخير نعود إلى مشهد بدء القصيدة
إلى الرخ الذي يأتي ويأس بروميثيوس من النجاة ومن توقف الألم
ذلك اليأس الذي يتحول إلى سخرية مؤلمة من مُعذبه ( أقبل علىّ بدون رفق )
( العق عظمتي لكن بذوق ) ( أنا ليس لي أي اعتراض )
سخريته المريرة مما يحدث له ولا يستطيع إيقافه تتعالى وتتطور إلى صرخةٍ نهائية
تختصر الوجع وتستحضر الخلاص أياً ما كان ( ليصير رب الأرباب ) أو ( ليموت )
ينادي مُخلِّصه ( هرقل )
ويحثه على النضال في سبيل كونه إلهً
وعلى ضرورة الاستمرار لقتل زيوس واحتلال مكانه
حالة اليأس الشديدة تتبعها حالة من السخرية المُتَعالية على الوجع
الوجع المتراكم والصّاعد الذي سيتحول إلى صرخةٍ واسعة ستستدعي الخلاص
الإيمان الواثق بالخلاص القادم وبضرورة هدم الماضي ( قتل زيوس / هدم السلطة )
لأجل وجود حاضر آخر تتحرر فيه النار / المعرفة وتأخذ مكانتها الحقيقية .
أنا مندهش !
القصدية أعجبنتى جداً. وان قابلتنى بعض الكلمات التى تحجتاج القراءة أكثر من مرة.
قصيدة رائعة يا كريم، مليئة بالصراع ، والألم، ومحاولة الفرار من الحدود، وقوة الرسالة/ والمسئولية....إلخ
وأحي "ست الحسن" على انطباعها الجميل الوجل، وأتفق معها-في كل حرف- بشدة.
استمتعت حقًا، شكرًا لكما.
للأسف لا أفهم تعقيب MILL ، ما معنى أن القصدية Intentionalityأعجبتك أم لم تعجبك؟ لعلك تقصد (القصد)أو المحتوى، عمومًا شكرًا.
Post a Comment