23.6.08
الفردوس اللامفقود_من أوراق مسيخ دجّال
قراءة مغايرة
إعداد : أحمد حمدى حسن
إبليس , الملائكة , الجان , الإنس , الجنة , النار , الفردوس , المسيخ الدجال ...... إلخ وغير ذلك من الكلمات التى أصبحت موضوع علم الميثولوجيا الدينية للشعوب , ماذا يحدث لو تجاهلناها ووضعناها على جنب نشاهدها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة فى هدوء ؟ ماذا لو استبدلنا بها كلمات أخرى : كالعدالة و الحرية و المساوة وكرامة الإنسان ورغد العيش والتقدم , وماذا لو استبدلنا بالسؤال عن حقيقتها وماهيتها؟ وما كنهها؟ وما جوهرها؟ السؤال عن كيفية الوصول إليها ؟ وما أنجزناه وما سننجزه من أفعال عبقرية خلال محاولة الوصول .
سؤال الحقيقة سؤال هام وعلى الرغم من أهميته تنكره الفلسفة اليوم لتضع مكانه سؤال أى رحلة ستسلك من أجل بلوغها ؟ وما مدى ثراء تلك الرحلة ؟ هناك من يرى أن وجود مثل هذه الكلمات الميثولوجية فى الواقع وجودًا كبيرًا وجوهريًا ولا نستطيع تجاهله وإنشاء قطيعة معرفية معه نستطيع اللعب فيه من الداخل وتفكيكه , وأنا أول هل ستصمد تلك الميثولوجيا مع الشركات لمتعدية للجنسيات ومع آليات الرأسمالية و العولمة والنظام العالمى الجديد التى لا تعرف إلا الإنجاز والقدرة عليه . ليس هذا موضوعنا على أية حال .
تعنى كلمة إبليس وهى كلمة يونانية الأصل : المشتكى زورًا أى الذى يلبس الحق ثوب الباطل ويلبس الباطل ثوب الحق , وفى العرف العصرى ولتقريب المعنى الأبالسة هم أولئك الذين يستخدمون ما يعرف بالواسطة أو الشفاعة حيث يزورون الحقائق , أو أولئك الذين يسمون الرشاوى عمولات و إكراميات وهدايا , أو الذين يمتهنون مهنة شاهد زور بجوار أى محكمة . أظن كلنا نعرفهم .
أما كلمة شيطان فهى كلمة عبرية تعنى المقاوِم , وفعل المقاومة كما يقول العرب فعل مشروع وهو أسلوب من أساليب التعامل مع السلطة , ربما نتعاطف مع الشيطان كمقاوم ولكن لا أظن أن أحدًا يتعاطف مع إبليس ككاذب , فالكذب أبو الرذائل , وأخطر أنواع الكذب هو الكذب على الذات أى التناقض أى أن أقول أنا أكره الكذب وأمارسه , وفى التجربة الأخلاقية الإسلامية يقال أن الكفر أحسن من النفاق لأن الكافر لا يكذب على نفسه ويقول أنه مقتنع بشيء هو غير مقتنع به .
ارتبط اسم إبليس بالفلسفة منذ صدور كتاب "تلبيس إبليس" وهو كتاب يهاجم الفلاسفة باعتبارهم يلبسون الحق بالباطل ونسى هذا الكتاب أن الفلسفة هى إعمال عقلى محض ومعيار خارجى لقياس الأمور على أسانيد عقلية ربما تكون أساسًا فى الدخول إلى الدين من أصله أو قبوله فالتعقل أولًا ثم الإيمان ثانيًا وهكذا يقر الدين الإسلامى على وجه الخصوص .
هذه كلها خواطر قبل الولوج للنظر فى مقالة الفردوس اللامفقود من أوراق مسيخ دجال والذى يستخدم الفن الأدبى الرمزى ومحاكاة الميثولوجيا الدينية لتفكيكها ونقدها من داخلها وهو يرسى رغم ذلك بعض القيم . كدفاعه عن المسيخ فى قوله " مسخ المسخ خلق واستواء، وأن كذب الكذب عين اليقين، وأن قتل الميت عناية مركزة." أظنكم تذكرون قصة الخضر مع موسى فالخضر قتل الطفل وخرق السفينة وبنى الجدار فالشر ليس دائما شرًا , والخير ليس دائما خيرًا , فى إطار رؤية أوسع ومنظور أكبر. " للشر وللخير معنيان : للمعنى الواحد الآلاف من الألوان للون الواحد معنيان فهل نفقأ الأعين فلا نرى الألوان " إن مركزية الثنائية خير / شر فى الفكر العربى هى ما يعرف بالاستقطاب , وهو أصل كل مشكلة ثقافية , فالعالم لا يعرف ذلك الاستقطاب وتلك الثنائية , فالأرض كروية والعالم كروى تتساوى فيه كل النقاط فى القيمة لا أعلى ولا أدنى فلا الخير أفضل من الشر أو الشر أفضل من الخير , نعم للشر قيمته ,وللخير قيمته .ليست هذه هى القيم التى يرسخها الكاتب هنا ولكن وجدتها فرصة للحديث عن مشكلة الثنائية والاستقطاب فى الفكر العربى أو مشكلة (إما/ أو) الشهيرة.
لكن القيمة هنا كامنة فى الرغبة فى الفعل الإيجابى والإيمان بأن نفى النفى إثبات فإذا كان الواقع يحتاج لنفيه فذلك لأنه انطوى على نوع من النفى وذلك كله من أجل الإثبات والإثبات إيجاب فتدعو المقالة للإيجاب لا للهدم وهو أمر غريب فى ظل ثقافة وفكر عالمى معاصر محبط يرى العدم والسلب ويرفض الإيجاب . فحرص الكاتب على الإيجاب لا السلب الذى هو العدم أمر بتأمله نكتشف القيمة النبيلة فى رفض العدم.
بعد ذلك وعبر الأجزاء الأولى من المقالة نلمح أن الإبليس هنا هو الإنسان كفعل ثقافى إيجابى وهنا يظهر البعد المسيحى فى الفكر العربى كما كرسه أو ساهم فى تكريسه الاستعمار الأجنبى , وهو الذى يتخيل أن الشجرة التى أكل منها آدم بغواية إبليس هى شجرة المعرفة ,أو حبس أى نشاط حر للذات , فى حين أن النص الإسلامى يقول بأنها شجرة للملك والسلطة الدائمة أى شجرة الاستبداد والقمع , لا شجرة المعرفة والثقافة الإنسانية كما فى سفر التكوين .
لم يكن إبليس يخشى في الحق لومة لائم و هنا نجد ثانى قيمة نبيلة الثبات على الحق مهما ضايقتك السلطة سواء كانت حكومة أو سلطة اجتماعية كامنة فى التشهير والتنفير منك .
ويهمنى الآن أن أصيغ مبادئ حزب الشيطان بشكل مختلف لنقف على القيم التى تدعو إليها المقالة . مبادئ حزب الشياطين:"1. الحرية أسمى من الخبز، والخبز ألذّ من الدين، والدين علاقة رأسية بين الجن والربّ، لا بين الجن والجن."
1 - الحرية , العلمانية ( الدين علاقة خاصة بين العبد وربه لا دخل فيها للمجتمع ) فالمجتمع دورة تأمين حاجات الإنسان الاقتصادية المادية .
"2. العلم والفلسفة لا يتفقان منهجيًا مع الدين، وأي محاولة للتوفيق فاشلة، وفي حالة أي تعارض يجب أن يؤوّل الدين لمناسبة الواقع التجريبي، والاتساق المنطقي.(وهو المبدأ الذي ظهر عند ابن رشد في فصل المقال)"
2 - الفصل التام بين الدين والفلسفة والعلم فالدين مجاله الاعتقاد والفلسفة والعلم مجالهما الحقائق والمنفعة.
"3. لا فضل لجني على جنيّة، والتعليم والتربية هي الفيصل لا الجنس.(وهو ما صرّحت به ماري وولستون كرافت في 1792م)"
3 - المساواه والعدالة الاجتماعية واحترام كرامة الانسان "4. كل ملكية سرقة.(وهو المبدأ الذي تكرر بعد ذلك عند جوزيف برودون)"
4 - مبدأ رفض الملكية . أى رفض الفكر الليبرالى.
" 5. في الدولة الثيوقراطية الدكتاتورية يكون الجنون خيرًا من العقل، والكفر خيرًا من الإيمان، والجهل أفضل من العلم، والحرب أشرف من السلام."5 - الديكتاتورية كمبرر للجنون و الإلحاد والجهل و الحرب .
"-ونظرًا لأن هذه المبادئ والأهداف كانت موضعًا للتنفيذ الفعلي والعاجل وسط أغلبية ساحقة فقد بدأ عهد جديد لم يتكرر في تاريخ الجن من الحرية والعدالة، وعلى رأسه تُوّج-دون منصب تنفيذي حقيقي-محمد علي:إبليس، المنتصِر"
إن الحديث عن مثل هذه المبادئ باعتبارها مبادئ إبليسية يجسد كمَّ ما وصلنا إليه من رفض لها رغم أنها مبادئ نبيلة هامة لا يستقيم المجتمع الإنسانى بدونها باستثناء مبدأ لا أتفق معه هو رفض الملكية لأنى لا أرى له مبررًا ( ليس ذلك موضوعنا الآن ) ثم كان انخراط إبليس فى المثالية وانتهاء عصر الجن الأول.
الصيغة المباشرة فى المقال أو التوجيه فيه:
" ألا أن الساعة اقتربت، والأقمار انشقت، وما من شيء ببعيد إلا الرحمة، فاخلعوا الأردية والأعضاء البشرية السخيفة، وموتوا بصدق، موتوا بشرف، ثوروا على هؤلاء المخادعين وكونوا شياطين حقيقيين، ارفعوا رءوسكم يا إخواني، فقد انتهى عهد الإنسان، لا تسجدوا له أيها الناس، لا تسجدوا له."
من الواضح هنا كم هى الدعوة إلى قيمة الثبات على الحق وعدم الخوف بل يعود الكاتب لتأكيد رسالته عبر مقولة من التراث:
" ثم غرّت الناسَ لحى التيوس(كما قال محمد بن زكريا الرازي)وهم دائمًا أغبياء غوغاء ما اجتمعوا على شيء إلا وهو باطل، فساروا خلف الشيوخ والأولياء"
وبعد هذه القيم النبيلة فى المقاله المتمثلة فى الترغيب فى الفعل الإيجابى ورفض العدم والترغيب فى الثبات على الحق يقول الكاتب:
"وتحطمت كل مثل حزب إبليس العليا في حياته الأولى وعهده الأقدم، واختلط الزيف بالحقيقة، والشر بالخير، والقبح بالجمال، وهي نهاية التاريخ بالضبط كما توقعها إبليس، لا بقاء للعالم مع اختلاط القيم، لقد أصدر الشيطان حكم الإعدام على العالم " ثم يكمل " وبعثني أنا لأخنق الإنسان وأصفّي دمه بأهدإ الطرق وأكثرها تعقيمًا." ويا ليته يفعل ذلك بتحذيره لنا، يا له من مسيخ طيب جدًا !!
1 Comment:
أشاركك الرأي (مع بعض التحفظات على: الملكية كسرقة، والجنون خير من العقل..) لكن هل نستطيع حقًا تحقيق: العدالة، والحرية، والمساواة، وإحقاق الحق،..؟
ليتنا نستطيع حتى لو كنا تبع حزب الماو ماو.!
عرض قيم يا أحمد، شكرًا لك
Post a Comment